كان أبو ذر يتأله في
الجاهلية ويقول : لا إله إلا الله ، ولا يعبد الأصنام فلما بلغه خبر النبي
بمكة ذهب إليها ، وأسلم رابعا أو خامسا وأجهر
بإسلامه في مكة ،
فضرب حتى غشي عليه ، ثم أمره النبي بالرجوع إلى قومه ودعوتهم إلى الإسلام ،
وأنه يأتيه إذا بلغه نبأ ظهوره ، فرجع أبو ذر إلى قومه يدعونهم إلى الإسلام .
وهاجر إلى المدينة
بعد غزوة الخندق . وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في أحاديث صحيحة وردت
عنه مثل قوله : " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر " .
وفي غزوة تبوك تخلف
أبو ذر وأبطأ به بعيره، فحمل متاعه على ظهره وتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وآله
ماشيا حتى لحق به ، فلما رآه رسول الله قال : " رحم الله أبا ذر ! يمشي وحده ويموت
وحده ويبعث وحده ".
ولما ولي عثمان ، وأعطى مروان بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى
الحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف درهم ، وزيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم ، جعل
أبو ذر يتلو : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ ) وجرى بينه وبين عثمان في ذلك محاورات ، فأمره أن يلتحق بالشام ،
فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها ، وبعث إليه معاوية بثلاث مائة دينار ،
فقال : إن كان من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي
فيها .
وبنى معاوية قصره
الخضراء بدمشق ، فقال : يا معاوية ! إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة ،
وإن كانت من مالك فهذا الاسراف ، فسكت معاوية .
وكان أبو ذر يقول :
والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه ، والله
اني لارى حقا يطفأ وباطلا يحيى ، وصادقا يكذب ، وأثره بغير تقى ،
وصالحا
مستأثرا عليه وكان الناس يجتمعون عليه ، فنادى منادي معاوية ألا يجالسه أحد.
وفي رواية أن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل
فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح ، دعا رسوله فقال : اذهب إلى أبي ذر ، فقل : أنقذ
جسدي من عذاب معاوية ، فإني أخطأت . قال : يا بني ، قل له : يقول لك أبو ذر : والله
ما أصبح عندنا منه دينار ولكن أنظرنا ثلاثا حتى نجمع لك دنانيرك ، فلما رأى معاوية
أن قوله صدق فعله ، كتب إلى عثمان : أما بعد ، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله ،
فابعث إلى أبي ذر فإنه وغل صدور الناس ... الحديث .
وفي أنساب الاشراف : فكتب عثمان إلى معاوية . أما بعد
فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره . فوجه معاوية من سار به الليل والنهار.
وفي اليعقوبي: فكتب إليه أن احمله على قتب بغير وطاء
، فقدم به إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه .
وفي مروج الذهب: فحمله على بعير عليه قتب يابس معه
خمس من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة وقد تسلخت أفخاذه وكاد أن يتلف .
وفي الانساب : فلما قدم أبو ذر المدينة جعل يقول : تستعمل
الصبيان ، وتحمي الحمى ، وتقرب أولاد الطلقاء ! ؟ فسيره إلى الربذة ، فلم يزل بها
حتى مات.
وكان مكث أبي ذر في
الشام سنة واحدة ، فقد ذكر المؤرخون أن تسفيره من المدينة إلى الشام كان سنة تسع
وعشرين ، وفي سنة ثلاثين شكاه معاوية إلى عثمان ، فجلبه إلى المدينة ، ثم نفاه إلى
الربذة ، فتوفي بها سنة إحدى وثلاثين ، أو اثنتين وثلاثين .