ومن قصصه في الشام ما كان بينه وبين عبادة بن الصامت الخزرجي
أحد نقباء الأنصار ، وكان أحد خمسة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله
عليه وآله ، فقد أرسله عمر بن الخطاب في إمارة يزيد بن أبي سفيان إلى الشام ليعلم
الناس القرآن ، فأقام بحمص حتى إذا مات يزيد وولي بعده معاوية ، سار في جنده .
روى مسلم أن معاوية غزا غزاة كان فيها عبادة بن الصامت
، فغنموا فيما غنموا آنية من فضة ، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس ،
فتسارع الناس إلى ذلك وفي تهذيب ابن عساكر : فباع الإناء بمثلي ما فيه أو نحو ذلك
فبلغ عبادة بن الصامت ، فقام فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عن
بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة . . إلا سواء بسواء وعينا بعين ، فمن زاد أو ازداد
فقد أربى .
فرد الناس ما أخذوه ،
فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث قد
كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه ، فقام عبادة بن الصامت ، فأعاد القصة ، ثم قال :
لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كره معاوية
أو
قال : وإن رغم ما
أبالي أن لا أصبحه في جنده ليلة سوداء ، وفي مسند أحمد 5 / 319 ، والنسائي 20 / 222
إني والله لا أبالي أن لا اأكون بأرض يكون بها معاوية .
وفي أسد الغابة والنبلاء بترجمة عبادة : أن عبادة أنكر على
معاوية شيئا فقال : لا أساكنك بأرض . فرحل إلى المدينة فقال له عمر : ما أقدمك ؟
فأخبره بفعل معاوية ، فقال له : إرحل إلى مكانك ، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك
فلا إمرة له عليك .
وفي النبلاء أن عبادة بن الصامت كان مع معاوية فأذن
يوما ، فقام خطيب يمدح معاوية ويثني عليه . فقام عبادة بتراب في يده ، فحثاه في فم
الخطيب فغضب معاوية . فقال له عبادة : إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى
الله عليه وآله بالعقبة إلى قوله وأن نقوم بالحق حيث كنا ، لا نخاف في الله لومة
لائم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم
التراب .
وذكر معاوية الفرار
من الطاعون في خطبته . فقال له عبادة : أمك هند أعلم منك ، فأتم خطبته ثم صلى أرسل
إلى عبادة : فنفذت رجال من الانصار معه فاحتبسهم ودخل عبادة ، فقال معاوية : ألا
تتقي الله وتستحي من إمامك ؟ فقال عبادة : أليس قد علمت أني بايعت رسول الله صلى
الله عليه وآله ليلة العقبة أني لا أخاف في الله لومة لائم ؟ ثم خرج معاوية عند
العصر فصلى ، ثم أخذ بقائمة المنبر فقال : أيها الناس ! إني ذكرت لكم حديثا على
المنبر ، فدخلت البيت ، فإذا الحديث كما حدثني عبادة فاقتبسوا منه فهو أفقه مني نرى أن هذا كله كان في عصر عمر ، أما في عصر
عثمان فإنه كان ما رواه ابن عساكر والذهبي، وقالا:
إن عبادة بن الصامت
مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر ، فقال : ما هذه ؟ أزيت ؟ قيل : لا ،
بل خمر يباع لفلان . فأخذ شفرة من السوق فقام إليها ، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها
وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان إلى أبي هريرة ، فقال : أتمسك عنا أخاك عبادة
، أما بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي فيقعد في
المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ! قال : فأتاه أبو هريرة فقال : يا عبادة
، مالك ولمعاوية ! ذره وما حمل . فقال : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا تأخذنا في الله لومة لائم ، فسكت أبو
هريرة .
وكتب معاوية إلى عثمان : أن عبادة بن الصامت قد أفسد علي
الشام وأهله ، فإما أن تكفه إليك ، وإما أن أخلي بينه وبين الشام . فكتب إليه : أ ،
رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة . قال : فدخل على عثمان ، فلم يفجأه إلا وهو
معه في الدار ، فالتفت إليه فقال : ما لنا ولك ؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس ،
فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم
ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى ولا تضلوا بربكم .
وفي رواية ابن عساكر بعد هذا : فوالذي نفس عبادة بيده إن
فلانا يعني معاوية لمن أولئك فما راجعه عثمان بحرف ، انتهى .
وقصة معاوية مع
الصحابة في شربه الخمر لم تقتصر على ما كان بين معاوية وعبادة ، فقد رووا أن عبد
الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري غزا في زمن عثمان ومعاوية أمير على الشام ، فمرت به
روايا خمر ، فقام إليها برمحه ، فبقر كل راوية منها ، فناوشه الغلمان ، حتى بلغ
شأنه معاوية ، فقال : دعوه
فإنه قد ذهب عقله ،
فبلغه فقال : كلا والله ما ذهب عقلي ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله نهانا أن
ندخل بيوتنا وأسقيتنا خمرا وأحلف بالله لئن بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وآله لابقرن بطنه أو لاموتن دونه .