وطاف رسول الله صلى
الله عليه وآله بالبيت ولما رأى أبو سفيان الناس يطأون عقب رسول الله صلى الله عليه
وآله قال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل ! فضرب رسول الله في صدره ثم قال :
إذا يخزيك الله ، فقال : أتوب إلى الله وأستغفر الله والله ما تفوهت به إلا شيئا
حدثت به نفسي .
وقال مرة أخرى في نفسه : ما أدري بما يغلبنا محمد ؟ ! فضرب
ظهره وقال : بالله يغلبك . فقال أبو سفيان : أشهد أنك رسول الله .
وخرج رسول الله صلى
الله عليه وآله إلى حنين لحرب هوازن ، وخرج معه جماعة من قريش .
قال المقريزي : " وكان قد خرج رجال مكة على غير دين
ينظرون على من تكون الدائرة فيصيبون من الغنائم ، منهم أبو سفيان بن حرب ومعه
معاوية بن أبي سفيان خرج ومعه الأزلام في كنانته وكان يسير في
أثر العسكر ، كلما مر
بترس ساقط أو رمح أو متاع حمله حتى أوقر جمله " ، ولما انهزم المسلمون في أول الحرب
، تكلم نفر من قريش في ذلك كما ذكره ابن هشام وقال : فلما انهزم الناس ،
ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال
منهم بما في أنفسهم من الظغن فقال أبو سفيان بن حرب : " لا تنتهي هزيمتهم دون
البحر " وإن الأزلام لمعه في كنانته .
وقال غيره : " ألآن بطل السحر " .
ثم انتصر رسول الله ، وأعطى المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين
مائة بعير يتألفهم ، وأعطى أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية من الإبل مائة مائة ، ومن
الفضة أربعين أوقية ، فقال أبو سفيان : والله إنك لكريم ، فداك أبي وأمي ، حاربتك
فلنعم المحارب كنت ، ولقد سالمتك فنعم المسالم ، فعتب على ذلك الأنصار ، فقال لهم
النبي صلى الله عليه وآله : إني تألفت بهم قومهم ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم .
دخل أبو سفيان في الإسلام ، غير أن المسلمين لم ينسوا مواقفه
منهم ، فكانوا لا ينظرون إليه ، ولا يقاعدونه ، على ما رواه مسلم في صحيحه
وروى أيضا أن أبا سفيان أتى على سلمان ، وصهيب ، وبلال في نفر
، فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . قال : فقال أبو بكر :
أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه وآله ، فأخبره ، فقال :
يا أبا بكر ! لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك . فأتاهم أبو بكر
فقال : يا إخوتاه
أغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي .
كان ذلك في عصر رسول
الله صلى الله عليه وآله .
أما في عصر الخليفتين فكان ما ذكره ابن عساكر ، وقال :
إن أبا بكر أغلظ يوما في الكلام لأبي سفيان ، فقال له أبو قحافة : يا أبا بكر !
أتقول هذه المقالة لأبي سفيان ؟ فقال له : يا أبه ! إن الله رفع بالإسلام بيوتا ،
ووضع بيوتا ، وكان بيتي في ما رفع ، وبيت أبي سفيان في ما وضع
.
وروى أن عمر بن الخطاب قدم مكة ، فقالوا له : إن أبا سفيان
ابتنى دارا ، فألقى الحجارة فحمل علينا السيل ، فانطلق معهم عمر ، وحمل الحجارة على
كتف أبي سفيان ، فرفع عمر يده وقال : الحمد لله الذي آمر أبا سفيان ببطن مكة
فيطيعني . وروى أن عمر اجتاز في سكك مكة ، وأمرهم أن يقموا أفنيتهم ، ثم اجتاز بعد
ذلك فرأى الفناء كما كان ، فعلا أبا سفيان بالدرة بين أذنيه ، فضربه ، فسمعت هند
فقالت : أبصر به ، أما والله لرب يوم لو ضربته لاقشعر بك بطن مكة ، فقال عمر : صدقت
ولكن الله رفع بالإسلام أقواما ووضع به آخرين .
هكذا أذل الإسلام أبا سفيان وأعز غيره ، فكان في نفسه على
الإسلام والمسلمين ما ظهر على فلتات لسانه ، ومن ذلك ما رواه جمع من المؤرخين عن
ابن الزبير أنه قال : كنت مع أبي باليرموك ، وأنا صبي لا أقاتل ، فلما اقتتل الناس
نظرت إلى ناس على تل لا يقاتلون ، فركبت وذهبت إليهم وإذا أبو سفيان بن حرب ومشيخة
من قريش من مهاجرة الفتح ، فرأوني حدثا ، فلم يتقوني ، قال : فجعلوا والله إذا مالت
المسلمون وركبتهم الروم يقولون : " إيه بني الاصفر " فإذا مالت الروم وركبتهم
المسلمون قالوا : " ويح بني الاصفر " فلما هزم الله الروم أخبرت أبي ، فضحك ، فقال
: قاتلهم الله أبوا إلا ضغنا ، لنحن خير لهم من الروم
وفي رواية أخرى عنه : فكانت الروم إذا هزمت المسلمين ، قال
أبو سفيان : " إيه بني الاصفر " فإذا كشفهم المسلمون ، قال أبو سفيان :
فلما فتح الله عليهم
، وحدثت به أبي ، أخذ بيدي يطوف على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
حدثهم ، فأحدثهم ، فيعجبون من نفاقه .
وعندما ولي عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان ، فقال : يا
معشر بني أمية ! إن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها ، وقد صارت إليكم
فتلقفوها بينكم تلقف الصبي الكرة ، فوالله ما من جنة ولا نار ، فصاح به عثمان : "
قم عني ، فعل الله بك وفعل " .
وفي رواية أخرى أنه قال : يا بني أمية ! تلقفوها تلقف الكرة ،
فوالذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة ، فانتهره
عثمان وساءه ما قال .
وفي رواية أخرى : دخل أبو سفيان على عثمان بعد أن كف بصره ،
فقال : هل علينا من عين ؟ قال : لا . فقال : يا عثمان ! إن الأمر أمر عالمية ،
والملك ملك جاهلية ، فاجعل أوتاد الأرض بني أمية .