اسرائيل أخطر من مجرد عدو!!!
يحيى رباح
قبل أيام، وفي الساحة التي أعلنت فيها قيام دولة اسرائيل قبل ثلاثة وستين عاماً، تجمع عدد كبير نسبيا من أنصار السلام الاسرائيليين، من اليسار الاسرائيلي، في محاولة لاعلاء الصوت لاعطاء دفعة حياة جديدة لعملية السلام التي هي في حالة موت سريري منذ سنوات، بسبب انغلاق الأفق الاسرائيلي بشكل مطلق!!! وبسبب انحدار معظم مكونات الشعب الاسرائيلي الى مزيد من التطرف، والوقوع باستسلام كامل لحالة شاذة من حالات اغراء القوة!!! وهو اغراء يتحول حين يتفشى في الجماعات السياسية الى وباء كاسح، يصيب الجماعات بحالات من الهستيريا وجنون الكراهية أو جنون التعاسة – كما يقول الفلاسفة – وهذا هو حال اسرائيل اليوم، وخاصة في ظل حكومة ائتلافية شاذة يقودها شكلياً نتنياهو، بينما أنها حكومة في حقيقة الأمر يتنافس أقطابها، أفيغدور ليبرمان «الذي تصفه بعض الصحافة الاسرائيلية بأنه السكير الذي يقال على لسانه المنفلت تلك الكلمات التي لا يجرؤ بقية السكارى على قولها، وايلي يشاي الابن الشرعي لنطفة الكراهية التي نجدها في مخابئ بعض أنواع الفقه التوراتي، وبنيامين نتنياهو وما أدراكم ما نتنياهو الذي شاءت الأقدار أن يؤلف كتاباً بعنوان «مكان تحت الشمس» وعلى استعداد أن يدمر اسرائيل وفلسطين والعالم كله من أجل أن يطبق الهلوسات المأخوذة أصلاً من الفكر النازي الموجود في ذلك الكتاب.
نعود الى مسيرة اليسار السلمية، التي قابلها المتطرفون بصيحات تشبه صيحات الجنون، مع أن منطلقات تلك المسيرة فيها قراءة ما لمستقبل الحراك الجاري في العالم العربي، وفيها قراءة استباقية لهذا الضغط النفسي والأخلاقي الذي أصبحت تجسده اسرائيل بسلوكياتها ضد الرأي العام العالمي وتعاطفه مع مأساة شعبنا، ولكن ردود اليمين بأجنحته الشيطانية المتعددة، أغلقت الآذان والعقول، وراحت تصرخ في هستيريا، اطردوا الفلسطينيين من اسرائيل، اذهبوا بهم الى الأردن، فهناك وطنهم الوحيد!!! لا أريد أن أصف المشهد وكم كان شائناً ومقززاً كما تابعته على شاشة التلفزيون الاسرائيلي وبعض الفضائيات الأخرى، وفي التقارير الاخبارية العالمية!!! ولكن الاستنتاج الذي خرجت به أن اسرائيل في وضعها الحالي، هي أخطر ألف مرة من مجرد عدو، وعدو لدود، وعدو وجودي!!! انها لا تستطيع أن تعيش دون أن تكون عدواً، وعاجزة عن الحياة ربما لدقائق اذا لم تكن في حالة مفرطة من العداوة مع الفلسطينيين على وجه الخصوص، والمنطقة بوجه عام، ولكن الأخطر من ذلك كله، أن اسرائيل بوضعها الحالي تريد أن تصنع هي نفسها العدو الذي تتكتل ضده، وتبالغ في كراهيته، وتخيف الكروموسومات الجينية منه، بطريقتها هي، وليس كما هو الأمر حقيقة على أرض الواقع.
اسرائيل القوية والهشة، الواقعية والموغلة في خرائب الأسطورة، الديمقراطية والمحتقرة للوجود الانساني، المتاجرة بالأخلاق اليهودية في مراثي أرميا واشعيا والمقلدة المخلصة للمحرقة، هذه الاسرائيل تريد عدواً ترسمه كما يناسبها، عدوا بشعا، مخيفا، ارهابيا، دينه يأمره بالقتل، بربريا وغير متحضر، غير ديمقراطي، يعترف هو نفسه بكل هذه الصفات والموبقات، ولكنه في نفس الوقت لا يؤذيها، لا يكلفها قرشاً واحداً، ولا نقطة دم واحدة، ولا يجعلها تسهر ليلة واحدة، ولا تقلق في شخيرها وهي مستغرقة في النوم!!! عدو فيه كل تلك الصفات الكريهة البشعة المخيفة العجيبة، ولكنه عملياً وواقعياً وميدانياً مسالم، خانع، يجعجع ويخاف من جعجعته، كراهيته لنفسه مصيرية بينما كراهيته لاسرائيل ثانوية، لديه دائماً حوافز عالية للتدمير الذاتي بينما حوافزه ضد اسرائيل يمكن تأجيلها الى وقت آخر لا يأتي أبداً.
أنا أطرح هذه الاشكالية على المثقفين الفلسطينيين والعرب والمسلمين، المثقفين الذين يمكن وصفهم بالمستقلين، الأحرار، غير المستوعبين كأصوات مأجورة في جوقات الغناء على اختلاف عناوينها الممانعة والمعتدلة.
كيف سنجعل اسرائيل تهبط من تحليق الكراهية والعدوان والتعالي واغراء القوة الذي يصيب أصحابه وجيرانه باللعنة، الى أرض الواقع؟؟؟
أنا اعتقد، أن احتلالاً بلا ثمن لا يمكن أن يقبل بأي درجة من درجات الحوار، الحوار أصلاً يحتاج الى فرض حالة اجبارية من الاختيار بين ممكنات واحتمالات مختلفة!!! أين هذه الممكنات والاحتمالات المختلفة التي توازن اسرائيل بينها، وتختار أقلها ضرراً؟؟؟ لا يوجد في أرض الواقع شيء من هذا!!! توقفت المفاوضات، وماذا تريد اسرائيل أحسن من ذلك؟؟؟ وتوقفت المقاومة، وماذا تريد اسرائيل أكثر من ذلك؟؟؟ وحدث الانقسام، وهذه حالة نموذجية حلمت بها منذ سنوات كل مراكز الأبحاث الاسرائيلية!!! وتحول الوزن العربي الى سراب، والثقل الاسلامي الى وهم، وحركة الاحتجاج العالمي قلنا نحن أنفسنا إن لدينا خصوصية ولا نتعامل معها، ربما بسبب ظروفنا الصعبة، فماذا يريد الاحتلال بحقده وكراهيته وضيق أفقه أكثر من ذلك؟؟؟
أريد أن أذكر هنا، أن أكبر حيوية كانت موجودة لليسار الاسرائيلي نفسه، وللأطراف الاسرائيلية التي تشكل رأياً آخر كانت موجودة وقت حرب الاستنزاف، وقت المقاومة، لأن الجدل يصبح صياحاً، ماذا فعلت الانتفاضة الأولى، انظروا ماذا فعلت، جعلت فلسطين حاضرة في قلب واشنطن، وفي قلب تل أبيب، وفي قلب العالم!!! جعلت أقوى جنرالات الجيش الاسرائيلي يجرؤون على الكلام خارج اللغة الدارجة في محافل الجيش، وأصبحت الدوائر الاسرائيلية الأكاديمية، والسياسية، والثقافية، تتحول الى مراكز لانتاج أفكار تتحدث عن السلام مع الشعب الفلسطيني الذي كان جرى انكاره بشكل رسمي قبل ذلك.
ثم نجحت نصائح كيسنجر في جعل أنثى العنكبوت تحمل صغارها على كتفها لكي تلتهمهم بعد ذلك!!!
أتحدث الآن عن استحقاق أيلول، انه بالنسبة لاسرائيل أخطر ألف مرة مما يتصور البعض، ما هو استحقاق أيلول؟؟؟ انه اعلان من الشعب الفلسطيني بأنه سأم من اللعبة على الطريقة الاسرائيلية الأميركية، انه سيقوم باللعبة على طريقته، انه سيقوم باشتباك سياسي، ولا يوجد في التاريخ اشتباك سياسي ليس له بعد ميداني، وليس له تحضيرات جادة، وليس له مخاطر محسوبة بدقة!!! على الأقل فان اسرائيل تتصرف وتعد نفسها على هذا الأساس، ولذلك تطفو على السطح الآن فكرة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة!!! انها محاولة لتنشيط الهمة، ولتخريب الاستعدادات، واختراق الحالة العامة، وابقاء المبادرة في يد اسرائيل، وعلينا أن نكسر هذه الحلقة وأن تقول لاسرائيل أنها هي الأخرى يجب أن تدفع ثمن احتلالها، وأن يكون الثمن عالياً ومستمراً